;
يرتبط ازدهار أدب المرحلة الهندية الجاوية واندثاره ارتباطاً وثيقاً بظهور مجموعة من الممالك المتهنّدة على الأرض الإندونيسية وأفولها، ويمكن القول بأن الثقافة الجاوية هي ثقافة هندية تلقفها شعب منفتح فكرياً فصاغها وفق خصائصه، وكان البلاط آنذاك بترتيبه الديني والدنيوي محور الحياة الأدبية والفنية.
كان لإندونيسية، ما قبل التهنيد، أدب متنوع، تمَّ تناقله شفهياً، إلا أن دخول الكتابة التي تطورت، مثل تطور الجاوية من كتابة البالافا Pallava في جنوبي الهند، وفّر إمكانية تدوين الإبداع الأدبي. ويعود أقدم نصوص الأدب الهندي الجاوي إلى القرن الخامس للميلاد، وهي جميعها نقوش حجرية ذات طابع قانوني تنظيمي، أما قيمتها الأدبية فهي ضئيلة. ويبدو أن بقية الأعمال الأدبية قد ضاعت عندما اضطرت سلالة مملكة شايلندرة البوذية إلى الانتقال إلى سومطرة هرباً من الضغط العسكري القادم من شرقي جاوة عام 860م. ويبدأ التاريخ الحقيقي للأدب الجاوي مع الملك مبو سيندوك Mpu Sindok أول حكام سلالة مترام في شرقي جاوة، ويصل إلى ذروته في عصر مملكة كيدري التي كان أمراؤها من رعاة الأدب والفن والعلم. ويطلق على الأدب الجاوي القديم اسم كاوي Kawi وهو أدب هندي في رداء لغوي محلي. وقد كانت الملحمتان السنسكريتيتان مهابهاراتا[ر] Mahãbhãrata ورامايانا[ر] Rámáyana مصدر إلهام مهم لشعراء البلاطات المتهندة، فنظموا ملاحمهم محاكين هاتين الملحمتين، فنتج من ذلك نوع شعر جديد هو الكاكاوين Kakawin الذي استعار الأوزان الشعرية الهندية التقليدية وطبقها، مع أنها معقدة، على اللغة الجاوية، مما أدى، على براعة النظم، إلى ضعف المقولة الشعرية وغياب ذات الشاعر، كما في ملحمة «أرجوناويواها» (Ardjunawiwaha (1035 التي يتغنى فيها الشاعر مبو كانوا Mpu Kanwa بمغامرات البطل أرجونا، وكذلك في ملحمة «بهاراتايودها» (1157) للشاعر مبو سيداه Mpu Sidah.
يعود الانتشار الواسع للأدب الملحمي الجاوي القديم في جاوة وسومطرة ومستعمرات مملكة مجابهيت الملاوية إلى تأثير مسرحيات خيال الظل التي ظلت حية حتى القرن العشرين، لأن الترجمات الملاوية لهذه النصوص المسرحية ربطت التراث الجاوي بالأدب الملاوي. وكانت ملحمة «ناغارا كِرتاغاما» Nagara-Kertagama التي نظمها الشاعر ركاوي برابانتجا Rakawi Prapantja عام 1365 نقلة نوعية من الأدب الجاوي القديم إلى الجديد، فمع نظمها وفق تقاليد الكاكاوين الشعرية فقد ابتعدت في مضمونها عن الموضوعات الهندية بتناولها أمجاد مملكة مجابهيت وفضائل ملكها هاجام وروك HajamWuruk الذي حكم المملكة بين 1350 و 1389م. وفي هذه المرحلة التي نضج فيها الوعي بالذات ظهر نوع شعري جديد هو شعر كيدونغ Kidung الذي يحل فيه عدد التفعيلات والقافية الموحدة محل أوزان كاكاوين الهندية الأصل. ومن حيث الموضوعات التفت الشعر الجديد إلى مجموعة الملاحم المحلية بانجي Pandji المعروفة أيضاً في آداب سيام وكمبودية. فإلى جانب العلاقة الغرامية المعقدة مثلاً بين أميرة كيدري وأمير كوريبان يستعرض الكيدونغ قصصاً متداولة من تاريخ مملكة سينغازاري ومجابهيت. وضمن هذا النوع من الكتابة التأريخية الممزوجة بالخيال ظهر نحو عام 1481م كتاب «تاريخ الأمراء» Pararaton الذي وضعه نثراً مؤلف مجهول، وجمع فيه بأسلوب خيالي مبدع بين تاريخ سينغازاري ومجابهيت ومغامرات أبطال جاويين، بعضهم حقيقي وبعضهم الآخر متخيل.
أما شعر التانتري Tantri القريب شكلاً من الكيدونغ فقد ظهر في أواسط جاوة، وهو صياغات محلية تستوحي كتاب الحكايات الهندية المعروف «بانتجاتانترا» Pantjatantra بأسلوب بنائي جديد يعتمد الحكاية التوليدية الاستطرادية كما في «ألف ليلة وليلة»[ر]، ويدور مغزى الحكايات حول تقديم النصح للحكام والرعية في فن الحكم والحياة. وقد اكتسبت هذه الحكايات الشعرية شهرة واسعة سواء في البلاطات أو بين الناس، مما حفّز على ترجمتها إلى معظم اللغات الأدبية في إندونيسية.
بسقوط مملكة مجابهيت انتهت المرحلة الهندية في إندونيسية وانتهى معها الأدب الجاوي المتهند. ولم يبق للثقافة الهندية والتراث الجاوي من ملجأ إلا في جزيرة بالي التي لم تتأثر بالأحداث والتحولات الجارية في الجزر الإندونيسية الكبرى. إلا أن التراث الأدبي الكبير الذي خلفته الثقافة الجاوية المتهندة وجد له استمراراً ورعاية في مراكز الحكم الملاوية في سومطرة وشبه جزيرة ملقة. ففي كثير من الترجمات النثرية التي تعود مخطوطات أصولها الشعرية إلى مطلع القرن السابع عشر يتعرف القارىء الموضوعات الملحمية الهندية في صيغة جديدة وبأسماء جديدة أيضاً، فكانت بذلك مصدر إلهام لأهم الأعمال النثرية، المجهولة المؤلف، في الأدب الملاوي، مثل «تاريخ الملايو» sedjarah malaju والرواية البطولية «حكاية هانغ تواه» Hikajat hang tuah. ومع ذلك فإن هذه الأعمال التي تنتمي إلى مرحلة ما قبل الإسلام في إندونيسية، مثل «حكاية الأمير راما» Hikajat sri Rãma، تدل من حيث أسلوب التعبير وانتقاء المفردات على تأثير إسلامي جلي، كما أنها مدونة بالخط العربي. ونحو عام 1400م وصل الإسلام إلى شبه جزيرة الملايو، وساد في جاوة عام 1520م. وفي الوقت نفسه تقريباً بدأ الغزو الأوربي لهذه المناطق. ومع انتشار الإسلام عرف الأدب الملاوي عالم الحكايات والملاحم الشعرية الفارسية الذي يتلاقى مع مثيله الهندي، كما استفاد المسلمون الإندونيسيون بذكاء وحذق من التراث الجاوي المتهند المترجم إلى الملاوية من أجل نشر الدعوة الجديدة، وذلك بإحلال شخصيات من التراث الإسلامي محل الشخصيات الملحمية الوثنية.
ومع انتشار الإسلام في إندونيسية ظهر كثير من المؤلفات التشريعية والدينية والصوفية باللغات المحلية مثل قصائد الصوفي السومطري حمزة بانسوري Hamza Pansuri، ومؤلفات في حكمة الحياة ونظرية الأخلاق، مثل «تاج السلاطين» و«بستان السلاطين». وبلغ النثر الملاوي ذروته في التأريخ والرواية التاريخية، ولاشك في أن أهم مؤلَّف في هذا الميدان هو «تاريخ الملايو» الذي يُعد مدخلاً مهماً إلى الأدب الملاوي وإلى أنماط معيشة سكان المنطقة وأخلاقهم. وواضح أن مؤلفه المجهول كان واسع الاطلاع على معارف عصره وعلومه إلى جانب إتقانه عدة لغات، مما أهله لكتابة تاريخ موسع للممالك الملاوية حتى سقوط ملقة وسنغافورة بيد الأوربيين، لكنه كثيراً ما كان يدمج الحقيقة التاريخية بالخيال الملحمي، سواء على صعيد الأحداث أو الشخصيات من دون تدقيق علمي. أما رواية «حكاية هانغ تواه» فهي أدبياً من أجمل ما قدمه الأدب الملاوي الذي دخل مرحلة نثرية جديدة مع عبد الله بن عبد القادر (1797 - 1854م)، فهو ينحدر من أب ملاوي وأم هندية، ويعد المعلم الذي لا يجارى في سهولة أسلوبه باللهجة العامية الملاوية غير الأدبية. فعلى نقيض أسلافه ومعاصريه تخلى ابن عبد القادر واعياً عن تقاليد الأدب المتوارثة، وأشهر أعماله سيرته الذاتية «حكاية عبد الله» التي لم يدخلها أي مؤثرات خرافية أو خيالية. وهو يستمد مادته السردية من الوقائع التي عايشها في زمنه المتخم بالصراعات الاقتصادية والدينية والسياسية.
ولاشك في أن الأدب الشعبي الملاوي قد أدى دوراً مماثلاً للآداب الشعبية لدى سائر الشعوب والقبائل الإندونيسية من حيث حفظه التراث الحكائي حياً في نفوس الناس. وما يسترعي الانتباه هو تسميته «بنغاليبور لارا» Pengalipur Lara أي قصص السلوان والمواساة التي يرويها «الحكواتي» الجوال، وقد حافظ هذا الأدب على نقائه من أي مؤثرات أجنبية، حاملاً خصائص النثر الأدبي الشعبي عامة، من حيث الإسهاب والإطناب والتكرار والشخصيات النمطية والإكثار من الأمثال. ويتغنى هذا الأدب في حكاياته بالماضي الملاوي السعيد المفتقد، وبالأمراء الفاضلين والأميرات الجميلات، وبالأبطال المحاربين الشجعان الذين يتوق الإنسان الملاوي إلى عالمهم، تعويضاً عن بؤس حاضره الذي يحاول أن يتغلب عليه بتبني نصائح ال&
Terpopuler
1
Sosiolog Sebut Sikap Pamer dan Gaya Hidup Penyebab Maraknya Judi Online
2
Menkomdigi Laporkan 80 Ribu Anak Usia di Bawah 10 Tahun Terpapar Judi Online
3
Komisi III DPR Singgung Judi Online Masuk Kategori Kejahatan Luar Biasa
4
Kabar Duka: KH Munsif Nachrowi Pendiri PMII Wafat
5
Besok Sunnah Puasa Ayyamul Bidh Jumadal Ula 1446 H, Berikut Niat dan Keutamaannya
6
Khutbah Jumat: Mari Selamatkan Diri dan Keluarga dari Bahaya Judi Online
Terkini
Lihat Semua